أخر الاخبار

The Philosophy of the Fourth Division English Section

مذكرة فلسفة للفرقة الرابعة قسم اللغة الأنجليزية

مذكرة فلسفة للفرقة الرابعة قسم اللغة الأنجليزية

مذكرة فلسفة للفرقة الرابعة قسم اللغة الأنجليزية

الدراسة الأولي
علم الجمال وعلاقته بالنقد الفني

أولاً: تطور مفهوم علم الجمال من اليونان حتي هيجل:
* عرف علم الجمال قديماً بأفكار جمالية إما حديثاً عرف كعلم، وقد قام "باومجارتن" مؤسس علم الجمال، حيث أنه منتمياً للتيار العقلاني حيث تميز بين مستويين للمعرفة معرفة عليا ومعرفة دنيا، فالمعرفة العليا واضحة ومتميزة مثل مفاهيم الهندسة، أما المعرفة الدنيا فهي نتاج لإحساسات ومشاعر مشوشة كما هو الحال في كل مدرك حسي، فالإدراك الحسي هو موضوع علم الجمال.

* علم الجمال يدرس الأفكار الغامضة لدي الإنسان ويدرس مشاعره ووجداناته وبهذا تتكامل المعرفة الإنسانية.
وقد تابع باومجارتن أفكاره عن العلم الجديد في كتابة "علم الجمال" وهو من جزئين الجزء الأةل علم 1750 والجزء الثاني 1758، وأوضح في هذا الكتاب أنه يعتبر دراسة الإحساس مرحلة وسطي بين الجهل والمعرفة، حيث لا يستطيع الإنسان في رأيه، أن ينتقل فجأه من الظلام إلي نور النهار ولهذا يجب أن ينتقل الإنسان من ظلام الجهل إلي نور التفكير من خلال المشاعر والخيالات الفنية والجمالية.
*وقد إستكمل كانط تلك الأنجازات التي بدأ لباومجارتن فقدم عام 1790 واحداً من أعظم الأعمال في علم الجمال هو كتاب " نقد مملكة الحكم" الذي خصص الجزء الاول منه للحكم "الجمالي" وخصص الجزء الثاني للحكم "الغائي".
والملاحظ أن كانط يقبل مصطلح " الأستطيقا" بالمعني الذي قال به باومجارتن.
فهو يفرق بين الحكم الجمالي أو ما يسميه " حكم الذوق" وبين كل من الحكم التصوري والحكم الأخلاقي.
فالحكم الجمالي ينتمي إلي مجال الوجدان أو الشعور وليس إلي مجال العقل النظري.
ويري كانط أن الحكم الجمالي يتسم بعدة خصائص تفرق بينه وبين الحكم العقلي والخلقي، ويمكن حصر تلك الخصائص فيما يلي:-
1- أن الذوق الفني يصدر عن رغبة مجرده من المنفعة، أي أن المتعة الفنية لا تهتم بحقيقة موضوعها، بخلاف اللذة الحسية التي تقتضي التملك.
2- يتسم بأنه عام وكلي وشامل، فالجميل هو الذي يروق لكل الناس دون حاجة إلي أفكار عامة ومجردة.
3- أن الجمال يدرك كغاية منزهة عن كل غرض وليس كوسيلة لغاية أخري.
4- أن الحكم الجمالي ذاتي وموضوعي في وقت واحد ، والحق أن فكرة كانط في الجمال شديد القسوة من ناحية أن الجمال المحض لا يتمثل سوي في الشكل المحض مثل : النقوش والزخارف والزينة علي شكل أوراق، ومع ذلك فإن نظرية كانط برغم أهميتها لعلم الجمال، إلا أن ما يؤخذ عليها هو الإسراف في التأكيد علي أهمية الجمال المحض أو الجمال الخالص المنزه عن كل مضمون، وهذا ما يجعلنا نتساءل هل سيعتبر كانط الفنون التي تعتمد المادة أو الكتلة مثل فن النحت ، أو الفنون التي تعتمد علي الجسد مثل الرقص والتمثيل.
وبعد كانط جاء "هيجل" فأستخدم " الأستطيقا" بمعناها المعاصر ومعناها الصحيح، بوصفها فلسفة فن وذلك في محاضراته التي نشرت بعد وفاته.
جمال الفن عند هيجل إذن هو تألق للروح، وهو أكثر إشراقاً من جمال الطبيعة، وهو بهذا المعني يختلف مع جويس كيلمر الذي قال: "أظن أنني لن أري أبداً قصيدة لها جمال الشجر، القصائد يصنعها المجانين أمثالي، لكن الله وحده قادر علي صنع الشجر، أما "هيجل" فأنه يري أن الله هو الروح، والروح يجد في الإنسان أكمل وأعلي حضور له، ففي النتاج الفني يمكن لنا أن نلتمس هذا الحضور المثالي لله، للروح علي نحو أعمق بكثير مما نجده في ظواهر الطبيعة، ويرفض هيجل كافة التصورات التي تعتبر الفن مجرد ترف تافه أو مجرد أداة تربوية أخلاقية.
إن ما يعنينا من هيجل هو إنه قد إهتم بالجمال الفني أو الجمال الإنساني بشكل خاص ومنحه قيمة أعلي من الجمال الطبيعي، ولم يكتف بهذا بل أختزل مصطلح " علم الجمال" إلي "فلسفة الفن".





ثانياً: معني النقد الفني :
ظهرت كلمة نقد في اللغة الإنجليزية في أوائل القرن السابع عشر، وقد أشتق هذا المصطلح من الكلمة اليونانية "Krino" التي معناها يصدر حكماً ومن كلمة "krites" التي معناها قاضي.
إن ما نطلق عليه إسم النقد الأدبي أو الفني اليوم كان يناقش في القديم من قبل فلاسفة مثل أرسطو وبلاغيين مثل كوينتيليان.
وللنقد في اللغة العربية معانٍ كثيرة، هذه المعاني اللغوية للكلمة في أصل وضعها وإستخدامها تلتقي كلها حول معاني: النظر والفحص والتمييز، وما يمكن أن يتصل بها من إكتشاف العيب أو النقص الذي هو نتيجة النظر والتمييز، وكذلك معاني: الأنتقاء والأختيار والحكم، وهي تتصل في النهاية بالأستعمال المجازي للنقد في الأمور الإبداعية كالأدب والفن.
*  إن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن النقد القانوني أو النقد الإنطباعي ينطوي علي القصور ولا يعبر عن حقيقة العمل الفني الذي يتخذه موضوعاً له، فالنقد يتضمن الموضوعية والذاتية معاً وهو يجمع بين الأحكام العامة والتقدير الذاتي.
والواقع أن هناك عدداً من الخصائص التي يجب أن يتحلي بها الناقد حتي يكون مؤهلاً لهذه المهمة ومن هذه الخصائص نذكر: الذكاء والمعرفة والمهارة والحساسية والقدرة علي الكتابة، حيث أنه يحتاج للذكاء ليلائم العمل الذي يقوم به، والمعرفة بالنوع الفني الذي يعالجه، والمهارة حتي لاينساق نحو طريقة واحدة في عمله، والحساسية لكي يكتشف القيم الجمالية الكامنة في العمل، وأخيراً القدرة الأدبية ليحسن التعبير عما يقوله.
*  و الناقد مهمته الأساسية هي أن يتأمل العمل الفني ويحلله، ويحكم عليه كعمل فني وقيمة جمالية، وعلي الناقد أن يدرك العمل الفني كوحدة حية متكاملة حتي يستطيع أن يخوض تجربة المتعة الجمالية ويحقق معني الشعور بالبهجة والسعادة.

ثالثاً: العلاقة بين علم الجمال والنقد الفني:
يري الأستاذ مجاهد عبد المنعم مجاهد أننا نستطيع أن نتصور الفرق بينهما بسهولة، إذا تصورنا أن أي عمل فني عبارة عن ثلاث دوائر متداخلة:
1 – الدائرة الأولي (الأكبر): تضم العناصر أو الشروط التي تجعل العمل الفني عملاً فنياً وليس صنعة من الصنائع مثلاً وهذا ما سنشير إليه بصورة مفصلة في الفصل الثالث من هذا الكتاب.
2 – الدائرة الثانية (الأوسط): وتضم العناصر التي تجعل هذا العمل الفني بالذات شعراً أو رسماً أو نحتاً أو رقصاً.
3 – الدائرة الثالثة ( الأصغر): وتضم العناصر الأسلوبية والخصائص المميزة للأدب أو الفنان مثل: الجمل القصيرة غير المرابطة عند هيمنجواي، أو عالم الكابوس.
وهذه الدائرة هي مجال تخصص الناقد الذي يعني بالأسلوب الخاص بالفنان ومدي قدرته علي استخدامه وكدي أصالته، أما الدائرة الأولي فهي من نصيب فيلسوف الفن لأنه معني بالمسائل العامة والأسس المشتركة بين جميع الأعمال الفنية، أو الذي يجعل من الفن فنا وليس شيئاً أخر، أما الدائرة الوسطي فهي أرض مشتركة بين فيلسوف الفن والناقد الفني.
*وقد يستطيع ناقد من النقاد أن يمارس النقد الفني دون الحاجة إلي فلسفة الفن، وخلاصة الأمر أن هناك تداخلاً بين النقد وفلسفة الفن وإذا كنا نميز بينهما نظرياً، فإننا علي مستوي الممارسة لانستطيع أن نفعل هذا.
* إن النقد الفني يزداد عمقاً بفلسفة الفن، وفلسفة الفن هي الأخري لا تستطيع أن تصل إلي أحكامها العامة دون الرجوع إلي الأستبصارات النقدية التي تتعلق بأعمال محددة، ودون الرجوع إلي تاريخ الفن ذاته.















الدراسة الثانية
مدارس النقد الفني المعاصر

1 – الكلاسيكية الجديدة ( ت.إس.إليوت):

* يمثل إليوت واحداً من أهم النقاد المعاصرين الذين تميزوا بالحفاظ علي التقاليد، ولهذا فقد بدأت حياته الأدبية بحملة علي النقد الرومانسي.
ولقد أراد إليوت أن يهدم صرح الإنطباعية كي يشيد مكانه صرحاً جديداً هو صرح الكلاسيكية التي حاول أن يشيدها علي دعائم علمية، وقد عبر إليوت عن هذه الكلاسيكية في مقالته " ما هو الكلاسيكي" عام 1944 بقوله : "إن ما يجري في شرايين الأدب الأوروبي هو دم لاتيني يوناني، لا كدورتين دمويتين بل كدورة واحدة، وإنتماؤها لليونان تم من خلال إنتسابنا للرومان.
* وقد أوضح إليوت علاقة الإبداع الفني بالتقاليد في مقاله : "التقاليد والموهبة الفردية" حيث يري أن الفنان ينبغي أن يلم إلماماً كافياً بالأسلاف قبل أن يقدم علي عملية الإنتاج الأدبي أو الفني، ومعني هذا أن التيارات الفكرية المعاصرة لا تكفي وحدها للوفاء بالغرض المنشود، إذ أنه من الأجدى أن يستوعب الفنان الماضي والحاضر ويجسده في عمله، ومن هذا المنطلق يقول إليوت بنوع من الحتمية الفنية التي تفرض إدماج الأنتاج الجديد داخل إطار التقاليد، ومعيار القيمة في ذلك الإنتاج الجديد هو قدرته علي التوافق مع التراث الماضي دون أن يكون له أثر خفي من شأنه أن يؤدي إلي نوع من الشذوذ أو النفور.
* والواضح أن إليوت كان يستهدف من وراء تأكيده علي استقلالية الفن عن أية سلطة أو أيديولوجية تأكيد حرصة علي ألا يتحول العمل الفني إلي دعاية أو خطابة، وهو مبدأ يسلم به معظم نقاد الفن، ولكن إليوت مع ذلك كان حريصاً علي توضيح أنه لم يقصد من وراء ذلك فصل الفن عن الغايات الإنسانية والإجتماعية والخلقية السامية.
*دور النقد الفني:-
يري إليوت أن للنقد مهمة مزدوجة: أحد طرفيها " توضيح الفن وتصحيح الذوق" وطرفها الثاني "إعادة الشاعر للحياة " أما أدوات الناقد التي يحقق بها هذه المهمة فهي: المقارنة والتحليل وغاية النقد هي تحقيق نوع من التواصل المستمر بين فن الماضي وذوقه وفن الحاضر وذوقه.
إن ما يريده إليوت هو أن يركز الناقد كل إهتماماته النقدية حول الإنتاج الفني بغض النظر عن شخصية الفنان وميوله ونزواته، فالذي يهم الناقد في المقام الأول هو اللوحة الفنية الرائعة فالعمل الفني وفق هذا التصور متكامل في ذاته، وله كيانه ووجوده الخاص بقدر ماله من موضوعية.




* نظرية المعادل الموضوعي:
إن نظرية إليوت حول "المعادل الموضوعي" هي إمتداد لنظريته في "الطبيعة اللاشخصية في الفن"، فهو يؤمن أن الفن الخالد إنما هو تصوير للفكر والشعور معاً، وهو يري أن عواطف الفنان ليست في ذاتها هامه، فهو يقول في توضيح بعض أشعاره "ڤاليري" : "مركز القيمة قائم في النموذج الذي نصنعه من مشاعرنا وليس في مشاعرنا نفسها.
والجدير بالذكر أن فكرة المعادل الموضوعي قد نادي بها في الفكر الفرنسي قبل إليوت" إميلي زولا"، " وفلوبير"، " وبلزاك"، ولكن مصدر فكرة إليوت المباشر هو "جوليان بندا" نقلت عبر إليوت وأعجب بها ونصها هو: "في العمل الأدبي جمال غير ذاتي في طابعه العام مستقل تمام الإستقلال عن مؤلفه نفسه وعن بنية شخصية، وهو جمال له مبرره الخاص به، وله قوانينه، وهو ما يجب أن يعتد به الناقد.”
وعلي الرغم من أن فكرة "المعادل الموضعي" قد ظهرت بصورة عارضة في مقال لإليوت عن هاملت عام 1919. إلا أن النقاد منذ ذلك التاريخ قد اتخذوا من هذه الفكرة أساساً لنقد الأعمال الفنية واعتبروها بمثابة المعيار الذهبي للحكم علي روائع الفن.
2- المدرسة السيكولوجية:
إذا كانت نظرية إليوت قد أسقطت من حسابها خالق العمل الفني وأكتفت بالتركيز علي العمل ذاته فإن المدرسة السيكولوجية حاولت أن تعيد الإعتبار للمبدع من خلال تسليط الضوء علي العالم الداخلي للفنان، ولكن مهمة الاتجاه السيكولوجي في النقد لم تقف عند تلك الحدود الضيقة الخاصة بالعلاقة بين الأثر الفني وخالقه.
* وبشكل عام تعتمد نظرية التحليل النفسي في نقدها للفن علي عدة مسلمات يمكن توضيحها في النقاط التالية:
1- أن ثمة منطقة في النفس الإنسانية تقع وراء المنطقة الواعية يسميها فرويد منطقة اللاشعور ونحن عادة لا نعي بها ولكنها موجودة، وهي منطقة مؤثرة في منطقة الوعي بصورة دائمة وحاسمة، وينظر فرويد إلي اللاشعور علي أنه المنطقة الأوسع التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور الأضيق نطاقاً.
وينظر فرويد إلي اللاشعور علي أنه المنطقة الأوسع التي تضم بين جوانبها منطقة "الشعور" الأضيق نطاقاً.
2- تكشف نظرية "فرويد" العديد من الأبعاد الجديدة للفن والعلاقات التي لم تكن واضحة من قبل ومن أهم هذه الأفكار فكرة " التسامي" أو " الأعلاء" أو "التصعيد" وكلها مترجمات مختلفة لكلمة "Sublimation  " .
3 – يولي فرويد أهمية خاصة للدافع الجنسي بوصفة الدافع الحاسم في كل ما يقوم به الإنسان من أفعال.
* وقد لجأ فرويد إلي الأساطير والأعمال الفنية والأدبية في التاريخ وأعتمد بشكل خاص علي أسطورة "أوديب" اليونانية القديمة، ولا يري فرويد في هذا الموضوع الأسطوري مجرد إثبات لحقيقة أن الرغبات الجنسية هي أساس النشاط الإنساني.
ويمكن تقسيم النقد الفني القادم علي نظرية التحليل النفسي بشكل عام إلي أربعة أنواع وفقاً للموضوع الذي تهتم به علي النحو التالي:
1- النقد الذي يتمحور حول شخصية مبدع العمل الفني.
2 – النقد الذي يتجه إلي تحليل مضمون العمل الفني.
3 – النقد الذي يهتم بحليل بنية العمل الفني ذاته.
4 – النقد الذي يدور حول المتلقي.
* العمل الفني والحلم بوصفهما نصاً:

* إذا كان فرويد يؤكد بقوة علي إرتباط الفن باللاشعور بإنه لمن الخطأ الإعتقاد بأنه يعتبر الفن شيئاً مرضياً، فسيكولوجية الفن لديه متعارضة جذرياً مع نظرية "لومبروزو" و"ماكس نوردو" علي نحو ما لاحظ "كلاباريد" إن نظرية فرويد مركزة علي الأسوياء إنها تفسر العصابات، والأليات النفسية تبعاً للمواقف التي يمكن ملاحظتها لدي كل الناس.
ويتناول فرويد تحليل الأعمال الفنية من حيث علاقتها بالأحلام علي عدة مستويات:
1 – ينصب التحليل علي أحد الأحلام التي يتخيلها روائي من الروائيين في أحد أعماله الفنية.
2 – أن نجمع ونقارن جميع النماذج التي يمكننا العثور عليها في مؤلفات شعراء أو روائيين استخدموا في أعمالهم الأحلام.
3 – إن بنية العمل الفني تتشابه مع بنية الحلم في أن كليهما يمثل شكلاً من أشكال الإنتاج الذي يستمد عناصره ومكوناته من مواد خام محدده مثل : اللغة والنصوص الأدبية الأخرى.
* امتدادات فرويد:
* لقد كان لتأثير فرويد فعل السحر سواء علي الفن ذاته أو النقد، أما في مجال النقد الفني والأدبي فكان لفرويد الفضل في أنه قد حدد لتلاميذه وجيل المحللين الذي سيأتي من بعده ملامح نظرية جديدة في النقد تستند إلي مبادئ التحليل النفسي.
ومن الدراسات الأدبية النفسانية المتكاملة التي قام بها محللون نفسانيون محترفون، دراسة "إرنست جونز" لهاملت في كتابة "مقالات في التحليل النفسي التطبيقي" الذي كتبه عام 1949، وأخيراً لابد أن نشير إلي المآخذ النقدية التي توجه إلي نظرية فرويد في تحليل الأعمال الفنية وحسبنا أن نشير في هذا الجانب إلي أن قصور نظرية التحليل النفسي من وجهة نظرنا يتمثل









ثانياً: جدل العقل واللاعقل:
* متي دخل أول لاعقل التاريخ ؟ متي ظهرت أول نزعه ضد العقل؟ ، متي يبدأ تراث اللاعقلانية؟ الحق إن تاريخ نفي العقل يترافق تقريباً مع تاريخ تأكيد العقل، وإذا كان علماء الأنثروبولوجيا يذهبون إلي أن السحر والأسطورة هما ما يشكل أفق التفكير في بداية المغامرة الإنسانية الأولي أو أن الخرافة هي التي كانت الكلمة الأولي في فجر التاريخ، ولا يبرر ذلك غياب العقل البشري عن التطور، فالعقل البشري هو وسيلة الإنسان للرقي والتطور ولكنه لا يتطور بمعزل عن تلك المفردات التي تمثل الواقع الحضاري للإنسان: كالبيئة، المناخ، الأدوات، اللغة، العادات والتقاليد.
* وبذلك لا يمكن بسهولة أن نستنتج من ملاحظة نمط التفكير البدائي "سواء في المجتمعات القديمة، أو لدي بعض القبائل البدائية التي مازالت تعيش علي هامش الحضارات المعاصرة، ولأن فجر التاريخ يمثل إلي حد ما مرحلة ما قبل العقل، لذلك فليس من المجدي أن نتحدث عن البعد اللاعقلاني في التجربة الحضارية يرتبط بمرحلة أكثر تقدماً في تاريخ الإنسان، ربما يمكن التاريخ لهذه المرحلة بنشأة الفلسفة التي حاولت أن تفسر الوجود والعالم والطبيعة تفسيراً عقلياً استنادا لمبادئ العقل دون اللجوء إلي الأسطورة.
وقد وجدت ثورة العقل الحديث نوعاً من الثورة المضادة التي قام بها فلاسفة ينتمون لحزب العقل نفسة، مثل "هيوم" الذي وجه أعنف الضربات للعقل، حيث يذهب في رسالته عن "الطبيعة الإنسانية" إلي إننا نتعرف علي المادة من خلال الإدراك الحسي، فليس هناك حقيقة مستقلة يمكن إدراكها بداخلنا تسمي العقل، وإنما ما ندركه هو فقط مجموعة أفكار منفصلة وذكريات ومشاعر.
*ثم استكمل كانط تلك الثورة المضادة عندما أعلن أن الممكن الوحيد أمام العقل هو عالم الظواهر، وإن العقل لا يستطيع أن يصل إلي عالم الشئ في ذاته، وبذلك فقد رسم حدوداً لا ينبغي العقل أن يتجاوزها.
* ومع ذلك فإن هذه الثورة المضادة لم تستطع أن تنال من سلطة العقل، إذا واصل هذا العقل الفاتح انتصاراته، بل وسعي  بكل قوة لأن يتحقق أو يتجسد كحقيقة تاريخية من خلال الثورة الفرنسية التي قامت من أجل حرية الإنسان وكرامته.
* ولقد كان إخفاق الثورة الفرنسية اعترافا بهزيمة العقل، والتراجع عن المبادئ الثورية وحنياً للعودة إلي أحضان الأفكار الغيبية، ونذيراً بانفتاح أبواب الجحيم وخروج كافة الأتجاهات الرجعية واللاعقلانية من جحورها القديمة.
* وهكذا فإن اللامعقول لا يمكن أن يفهم إلا في مقابل المعقول، وإذا أخذنا بمعيار المنطق الجدلي فإن اللامعقول هو إفراز المعقول، فالعقل واللاعقل يتقاسمان تاريخ الفلسفة، ويتنازعان تاريخ الحضارة الإنسانية.




ثالثاً: المعقول واللامعقول والعبث:-

* بعد هذه الرحلة القصيرة في أعماق اللامعقول، مازال السؤال يتردد: هل اللامعقول هو العبث؟ هل كافة الاتجاهات الصوفية والإرتيابية والفاشية والغيبية والميثولوجية تنتمي لفكرة العبث؟ هل تلك الإتجاهات وغيرها تنظر إلي وجود نافي العالم علي انه سخيف وبلاتبرير وبلا معني بكلمة واحدة هل تلك الإتجاهات تستنتج من نفيها للعقل أن العالم يفترسه العبث ؟
* الحق أنه من التعسف الشديد أن نساوي بين مفهوم اللامعقول ومفهوم العبث، فإذا كان اللامعقول يرتبط بكافة التصورات الصوفية والسحرية والأسطورية، أو حتي يرتبط بعجز العقل ومحدوديته، فإن هذا لا يعني أن نسارع بالقول بأن مثل هذه التصورات تقول بالبعثة، وعلي العكس فإن النزعات الصوفية أبعد ما تكون عن الاعتراف بالعبث الوجودي، فهي إذا كانت تنفي العقل فهذا لصالح الوحي والنص الديني.
ومن ذلك فإن اللامعقول ليس هو العبثي، ويبدو أن " البيركامو" الذي يرتبط اسمه بفكرة العبث لا ينجو من هذا الخلط يبين فكرة اللامعقول وفكرة العبث، ففي كتابة " أسطورة سيزيف" يلجأ فيه إلي حيل منطقية قديمة وتقليدية من أجل البرهنة علي عقم المنطق.
* وينتقل كامو دون تبرير مقنع من إثبات لامعقولية العالم إلي الاعتراف بعبثيته، إذ يقول: " لقد قلت أن العالم عبث ولكني كنت متسرعاً جداً، إن كل ما يقال عن هذا العالم إنه ليس معقولاً في ذاته، ولكن العبث هو مواجهة هذا اللامعقول، والشرق الجامح للوضوح الذي يتردد صداه في القلب الإنساني.
* إن كامو الفنان يتصارع مع كامو الفيلسوف، لذلك لا يوجد اتساق واضح لديه عن مفهوم العبث، وعلي أية حال فلا بأس من أن يكون العبث نوعاً من المواجهة بين الفرد وعالمة، فليس العالم هو العبثي، وليس الإنسان، ولكن العبث هو غياب التطابق بين الأثنين، أنه الوعي القلق الخاص بالأنفصال بين الفرد وعالمه، لكن مع ذلك نرفض التسليم بفرضية كامو، أن الأساس الإبستمولوجي وجده هو مصدر العبث، فليس العبث مجرد موقف فكري فحسب، وإنما هو موقف تملأه مشاعر السخط والتمرد تجاه واقعة وجود الإنسان.
* وأخيراً فالعبث لا يرتبط بأفكار كامو وحده، ولكن يرتبط بشخصيات أخري حول التحليل الوجودي للعبث.










الدراسة الرابعة
الفن والحرب

أولاً: مفارقة الحب والحرب:
* برغم أن المنطق الثقافي والحضاري للإنسان يروا من وجهة نظرهم أن الحرب عبارة عن دمار شامل يسبب قتل الأبناء وتشريد الألاف من الشعوب وسلب حريتهم وتحويلهم لعبيد بالإضافة للنفقات الباهظة التي تنفق علي الحروب، إلا أن الحياة الإنسانية تؤكد أن الحرب ضرورية في حياة البشر.

* ويقدم لنا فرويد في كتابة " منغصات الحضارة" تفسيراً مقبولاً لإرتباط الحرب بالنزعة العدوانية للإنسان، فهو يري أن هناك قوتين أو غريزتين تتصارع داخل الإنسان: إحداهما هي غريزة الموت، والأخرى غريزة الحياة، ويتصور فرويد أن هناك صراعاً بين الغريزتين، ولا يري فرويد في هاتين الغريزتين أي إنفصال بينهما، فهناك إرتباط جدلي من خلاله يمكن فهم ظواهر الحياة المختلفة ومنها الحرب.
*  إن ظواهر الحياة الإنسانية تنشأ من خلال عمل هذين النوعين، ومن الواضح أنه لا يمكن لأي نوع من هذه الغرائز أن يعمل منعزلاً بينما هو دائماً مصحوب بعنصر من النوع الأخر، فغريزة مثل: "حفظ الذات" فهي تنتمي إلي غريزة الأيروس أوحب الحياة، ومع ذلك فإنها تملك قدراً من العدوانية يكون تحت تصرفها إذا كان لها أن تحقق غرضها، وبذلك فإن غريزة الحب تحتاج إلي إسهام من غريزة السيطرة حتي تتمكن من إمتلاك موضوعها.
* وسيراً علي دروب فرويد يقدم لنا "إريك فروم" في كتابة "قلب الإنسان" تصوراً أكثر إتساعاً وشمولاً عن غريزتي الحياة والموت لدي فرويد، فنجد عند فروم أن غريزة الحياة لديه هي الإمكانية الأولية في الإنسان، إما غريزة الموت فهي الإمكانية الثانوية التي تشكل لفروم الوجه المنحرف لغريزة الحياة.
* ويري فروم أن هناك إتجاهين داخل النفس الإنسانية: إتجاه يناهض كل ما هو حي ويميل للقتل ويسميه "النيكرفيلي" وهذا الشخص يميل إلي كل ما هو ميت ويعشق ما يتصل بالموت والدفن والقتل والدمار، وهو يحب القوة ويكره الضعف ويتلذذ بعذاب الآخرين.
 أما الإتجاه الثاني: فيسميه " البيوفيلي" فهو عكس الإتجاه الأول حيث أنه يحب كل ما هو حي ويقاوم الموت، ويؤكد أسبقية الحياة علي كل شئ.
* ونجد أن فرويد أشد وأكثر فهماً لطبيعة النفس البشرية من إريك فروم، وذلك لأن فرويد قد كشف عن عملية إزدواج المشاعر والإمتزاج الجدلي بين الغرائز.





الدراسة الثالثة
الفن العبثي

1 - العلاقة بين اللامعقول والعبث
* إعتاد الباحثون علي تفسير اللامعقول علي أنه عبث ولكن هل اللامعقول هو العبث ؟
أولاً: معني اللامعقول:
* هذا المصطلح يعرف بصورة أساسية في ثلاث سياقات:
1 – السياق الإبستمولوجي أو المعرفي، وهنا نستخدم الكلمة لنشير إلي كافة الإتجاهات والتيارات الفكرية والفلسفية التي تناصب العقل "عداء، أو تستبعده من دائرة إهتمامها، أو تسلم بعجزه عن الوصول إلي الحقيقة.
2 – السياق السياسي: في هذا المجال تشير الكلمة إلي بعض الإتجاهات السياسية التي تستند علي الأفكار الخرافية مثل: الأيديولوجيات القومية والعرقية، خاصة الأتجاه الفاشستي الذي يقوم علي المبادئ مثل: عبادة الزعيم، وتقديس الأمم.
3 – السياق الحضاري : وهنا يدل اللامعقول علي مرحلة معينة في تاريخ الحضارة الإنسانية كانت سابقة للمرحلة العلمية، وهي مرحلة الفكر السحري – الأسطوري: وهي مرحلة تميزت بسيادة العناصر الخيالية والغيبية.


* ويذكر لوكاتش في حديثة عن تحطيم العقل عدة ملاحظات هامة وهي:
1 – أن اللاعقلانية هي شكل من أشكال الردة، بمعني أنها تكون دائماً بمثابة رد فعل مضاد للتطور الإنساني.
2 – اللاعقلانية في السياق الفلسفي تولد من خلال تراجع الفيلسوف أمام التقدم والإرتباط بروح العصر أي هزيمة العقل أمام أسئلة عصره.
3 – تولد اللاعقلانية عقب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفلسفية الكبرى التي تفجر مشاعر الإحباط واليأس داخل الإنسان، وتضعف من ثقته بنفسه.
4 – إن مسألة نفي العقل أو تأكيده ليست مسألة ثقافية أو فلسفية فحسب، وإنما ترتبط بالأساس المادي للمجتمع.
* وأخيراً نشير في نهاية هذا الموضوع أن المناسبات التي تستخدم فيها كلمة اللاعقلانية عادة تعني: نفي العقل، عجز العقل، غياب العقل ونستدل من خلال هذه المعاني إستبعاد العقل من عالم الحياة اليومية وكافة المجالات الإنسانية.
*  ومن هذا نجد أن علاقة الفن بالحرب علاقة من نوع معين، حيث نجد ان الفن كنشاط ابداعي يرتبط بالجانب الحسي والأيروسي في طبيعة الإنسان.



وبصرف النظر عن تفسير فرويد غير المقنع للفن بوصفه تسامياً للغريزة الجنسية، فالإبداع يرتبط برغبة الإنسان المزدوجة: للبناء وللهدم، والحياة والموت، والإبداع يعني موت وفناء للقديم وينظر إلي التمرد علي القيم السائدة في الحروب التي تمنع رغبة الإنسان في الحياة والتحرر والسعادة، وبهذا فإن الفنان يكون متمرد ومحارب ضد هذه الحروب، وبذلك لا يمكن فهم الإبداع الحقيقي بعيداً عن هذا المعني.
*  الفنان بوصفه ساحراً أو محارباً:
كان الفن في بواكيز التجربة الإنسانية كان سلاحاً وأداة سحرية إستخدمها الإنسان كسلاح من أجل السيطرة علي الطبيعة فالإنسان منذ البداية كان ساحراً، ولم يكن الفن منفصلاً في هذه المرحلة عن التجربة الحياتية للإنسان.
* ويذكر الكثير من الباحثين الذين درسوا حياة وأساليب وطقوس الشعب البدائية، أن فن تلك الشعوب واهتمامهم بتحميل وزخرفة أسلحتهم وعتادهم في قصصهم البطولية، بالأضافة إلي رسومهم وأغانيهم وقصاتهم، ويرجح بعض الباحثين أن رغبة الإنسان البدائي في القتل والحرب كانت تفوق أحياناً رغباتة العاطفية والجنسية.
ويذكر إيرن أن الفن يعتبر ظهيراً للحرب لدي القبائل البدائية لأنه يعمل علي تقوية روح التعاطف والتضامن الوجداني بين أفراد الجماعة، حيث تضامن جمال الرقص بحركاته مع الأصوات المدوية للكلمات في مشهد يبعث جواً من الحماس لديهم.
* ونلاحظ أيضاً أن الكلمات والأفكار تلعب دوراً سحرياً خاصاً لدي فنون الشعوب البدائية، ولأن الإسم يعتبر بالنسبة للعقلية البدائية، مكون أساسي للشخصية، لذلك فإن معرفة اسم الشخص من شأنه أن يمنح المرء قوة تجاه هذا الكائن.
* وهناك أمثلة توضح الدور السحري للكلمة ، حيث ما كان يفعله ملوك " المملكة الوسطي" في الحضارة المصرية القديمة، كانوا ينقشون أسماء القبائل المعادية لهم وأسماء حكامها، وكذلك أسماء المنشقين والمتمردين فوق أقداح فخارية كبيرة، وكانت تلك الأقداح تحطم في احتفال ديني مهيب وكانوا يعتقدون بفعل ذلك أنهم يلحقون بالأذى بأعدائهم لمجرد تحطيم في احتفال ديني مهيب وكانوا يعتقدون بفعل ذلك أنهم يلحقون بالأذى بأعدائهم لمجرد تحطيم أسمائهم .
* وعلي الرقم من أننا نسخر اليوم من طريقة أو أسلوب الإنسان القديم في التعامل مع الكلمة، والخلط بين الكلمات والأشياء، إلا إننا لا نستطيع أن نتغاضى عن الدور السحري للكلمة داخل وخارج الإطار التقليدي للسحر.
* وفي الفن يتجلي هذا الدور السحري للكلمة، ففي الفن تتحول الكلمة إلي مادة، إلي شئ، إلي كون، إلي عالم، إلي فعل، فالكلمة التي اعتدنا فهمهما تنشئ كشئ مثالي تؤخذ هنا كشئ جسدي أو مادي.


* ويؤكد جورج تومسن علي قوة وأهمية البعد السحري الطقوس للفن البدائي، حيث أن الوعود المتضمنه في التجربة الطقوسية للسحر والرغبة في الحصول علي النهايات المرغوبة كانت تلقي قبولاً في العالم الخاص بالفن.


* وأخيراً لم يكن دور الفن في هذه المرحلة من التاريخ قاصراً علي الوصف أو التعبير أو التطهير، ولكنه تجاوز ذلك إلي دور الفعل والممارسة، فصار الفن جزء لا يتجزأ من المعركة التي يخوضها الإنسان في مواجهه الطبيعة أو المجهول، بإختصار كان الفن سلاحاً، وكان الفنان مقاتلاً، وكانت طقوس الفن ومفرداته تشبه الطقوس الدينية في قداستها وقوة تأثيرها.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-